الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية على خطى الوزير في سجن الرابطة - بقلم احمد الرحموني رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء

نشر في  28 أوت 2015  (17:59)

 بقلم احمد الرحموني رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء

لم نكن نقصد الكتابة عن السجون ولا عن السيد الوزير لولا الزيارة الفجئية التي اداها السيد محمد صالح بن عيسى تحت الاضواء الى سجن صغير لا يتعدى عدد السجناء المودعين به العشرات – حسب ما افادت به الوزارة – وهو سجن الرابطة بالعاصمة .

دامت الزيارة الاستثنائية يومين حيث لم يكد الوزير يغادر مقر السجن يوم 26 اوت الجاري حتى عاد اليه بعد يوم .

في البداية ظهرت الصورالحية التي تركز على "البالوعة "و"اواني الطبخ "والوزير الغاضب وسط المسؤولين  والاعوان بالسجن وهم يهرولون في حالة اندهاش ."جايين ناخذو في الشهاري متاعنا والدنيا امسخه بكلها " – هكذا قالها الوزير – قبل ان يضيف وهو ينظر الى البالوعة "وهذا محلول لتوا يحبلو قداش باش يتقد شهر زاده "ثم تسلط الكاميرا اضواءها على اواني المطبخ ليطلق الوزير قولته التي اصبحت شهيرة "هاذي مش كوجينة انا نسميها.. هاذي مزبلة ...قاعدين ادورو في صوابعكم والوسخ والدنيا عافنة ..."

اثرذلك صدر البيان الاول عن وزارة العدل متضمنا ان وزير العدل السيد محمد صالح بن عيسى ادى صباح اليوم" زيارة فجئية إلى سجن الرابطة بالعاصمة، وقد عاين الوزير ظروف إيداع السجناء و الخدمات الصحية والغذائية المقدمة إليهم.

وقد عبر الوزير عن شديد استيائه من حالة المطبخ الذي تُعد فيه الوجبات الغذائية ودعا القائمين على السجن إلى تحمل مسؤولياتهم في أداء واجبهم تجاه السجناء وبذل قصارى جهدهم لتحسين الوضعية القائمة، مؤكدا أنه سيقوم بزيارة تفقد ثانية لمعاينة مدى الاستجابة لتجاوز النقائص المسجلة في هذه الزيارة " 

ويلاحظ تعليقا على هذا البيان ان القول بان المطبخ" تعد فيه الوجبات الغذائية" هو من باب الحشو فضلا عن ان البيان قد سها عن ذكر البالوعة كما حاول نفس البيان التخفيف بلغة فصيحة من الصيغ المستعملة في الخطاب المتشنج للوزيركذكر المزبلة وتدوير الاصابع والعفونة العامة الموجودة بالسجن...الخ

لكن التزاما بما تعهد به وزير العدل السيد محمد صالح بن عيسى بالعودة إلى سجن الرابطة زار عصر يوم 27 اوت الجاري السجن المذكور- حسبما ورد في البيان الثاني الصادر عن وزارة العدل في نفس التاريخ-  وحرص السيد الوزير "على متابعة مدى تدخل إدارة السجن للحد من الحالة المتردية لوضعية المطبخ الذي يتم فيه إعداد الوجبات الغذائية(كذا) لكل من السجناء وأعوان السجن على حد سواء"

وجدير بالذكر- حسب البيان- أن السيد الوزير" قام ..بمعاينة التدخلات العاجلة والتي كانت ناجعة لتجاوز النقائص فيما يتعلق بالنظافة داخل السجن، لافتا نظر مسؤولي إدارة السجن أنهم ليسوا في حاجة لانتظار الوزير للزيارة والتدخل، معبرا لهم في ذات الوقت عن رضائه على سرعة التجاوب والتفاعل لتدارك النقائص."

ويلاحظ ان التنويه من قبل وزارة العدل قد طال في ظرف ساعات  اولا مسؤولي ادارة السجن عن التدخل العاجل والناجع وسرعة التجاوب والتفاعل وثانيا السجن الذي استعاد وضعيته الطبيعية بعد تجاوز النقائص  فيما يتعلق اساسا  بالنظافة واخيرا التنويه بالوزارة التي تسعى حسب البيان المذكور "إلى تطوير المنظومة السجنية وتحسين الأوضاع بالوحدات السجنية التونسية"

غير ان هذه الزيارة التي تناقلت اخبارها وسائل الاتصال – صوتا وصورة –لم تقنع  بالاساس المدافعين على المنظومة  السجنية وكذلك نقابة السجون رغم ان حصة حوارية باحد البرامج  المنقولة باذاعة الشباب قد اعدت للحديث عن  النقائص في المؤسسات السجنية خاصة بعد زيارة وزير العدل محمد صالح بن عيسى إلى سجن الرابطة بالعاصمة والإجراءات المطلوبة لإصلاح المنظومة السجنية في تونس.

وفي هذا الخصوص يمكن ان نقرأ في بعض التدوينات الخاصة ان"وزير العدل يتوجه إلى السجن المدني بالرابطة وينتقد مطبخ السجن ويفلم (وهو لفظ عامي يفيد الاستعراض على طريقة الافلام) ويلقي اللوم على الأعوان العاملين بالوحدة. والحقيقة أن لا لوم على الإطارات والأعوان العاملين بالسجن بل اللوم على الإدارة العامة للسجون والإصلاح وخاصة مصلحة البنايات ومدير المصالح المشتركة بالإدارة العامة ومستشاروزير العدل المكلف بالسجون و الإصلاح."(وليد زروق) وكذلك يمكن ان نسمع ان وزير العدل أهان أعوان سجن الرابطة بالعاصمة و عليه أن يعتذر وان ذلك "عيب مايتقالش"(اذاعة الشباب من حوارمع الفة العياري  الكاتبة العامة لنقابة السجون والإصلاح).

غيران هذه المواقف قد تكون متوقعة ممن داب على متابعة اوضاع السجون او نذر نفسه للدفاع عن زملائه لكن على خلاف ذلك يبدو مستغربا تداخل احد الوزراء السابقين- وهو  السيد نضال الورفلي الذي شغل في حكومة السيد مهدي جمعة منصب وزير لدى رئيس الحكومة مكلف بتنسيق ومتابعة الشؤون الإقتصادية والناطق الرسمي للحكومة – الذي علق في صفحته الخاصة بالفايسبوك وفي نفس يوم الزيارة على سلوك وزير العدل قائلا – في عبارات شديدة وبلغة فرنسية مباشرة –"لماذا ناتي خلال الزيارات الميدانية او المنظمة بالات الكاميرا ونشرع في اهانة المسؤولين ؟  كما لو اننا نكتشف اليوم وتحت تاثير المفاجاة حجم الكارثة و/او وضعية "مطبخنا الداخلي"و نوعية الخدمات.هي نظرية شعبوية تعتمد على مبدا "العقوبة و الخوف".انا اؤيد تماما القيام بزيارات ميدانية لكني ارى ان الملحوظات و تحميل المسؤوليات وكذلك الحلول لتحسين الاوضاع يجب تتم بمعزل عن الات التصوير".

لا شك ان السيد وزير العدل قد اصيب بالدهشة عند قراءته لهذا التعليق وبطبيعة الحال لم يكن مسرورا بان يتجرا عليه احد المسؤولين السابقين ويصف زيارته "المفاجاة" بنعوت لاتليق وهو ما يبرر الرد العنيف الذي صدر عن وزارة العدل بتاريخ 27 اوت الجاري في صيغة " توضيح من وزير العدل حول زيارته الى سجن الرابطة".

ويتضح ان هذا الرد الغريب لم يكن موجها فقط للوزير السابق – الذي تمت الاشارة اليه –بل استهدف ايضا الرد على غيره من "المشككين "دون ان يسميهم ان لم يكن قد تجاهلهم.

فرغم ان صدور التعليقلا شك فيه يورد الوزير في توضيحه" ردا على بعض التعاليق وخاصة ما يبدو أنها صدرت عن الوزير المكلف بالملفات الاقتصادية في حكومة مهدي جمعة.. أن الزيارة التي أداها إلى سجن الرابطة وما صدر عنه من غضب واستياء إزاء الأوساخ المتراكمة خاصة في مطبخ السجن ليس فيها أي إهانة لأعوان السجون، الذين يكن لهم كل التقدير والاحترام،..و أن تصرفه لا يمت بصلة للشعبوية و أنه لا يتلقى دروسا أخلاقية من أي كان. وأن ما قام به يتنزل في إطار السعي إلى تحسين واقع المنظومة السجنية وضمان الحد الأدنى من احترام كرامة الآنسان في معاملة السجناء . وخير شاهد على ذلك انه بعد الزيارة الثانية التي تمت عصر اليوم(27-8-2015) ومعاينة التدخلات العاجلة والناجعة شكر الأعوان وعبر لهم عن عميق تقديرهم لتحمل مسؤوليتهم في تدارك النقائص ونبههم مجددا إلى عدم انتظار الزيارات الوزارية الفجئية لتدارك النقائص التي تشوب تسيير الوحدات السجنية".

ومن الواضح ان هذا التوضيح لم يشر الى غضب الوزير على المسؤولين - الذي  ورد في كلام الوزير السابق – واكد في المقابل على براءة وزيرالعدل من اهانة الاعوان الذين يكن لهم كل الاحترام.لكن يبدو من الثابت بمكان ان نفي الشعبوية و رفض الدروس الاخلاقية كانا موجهين بصفة مباشرة الى السيد نضال الورفلي الذي طالب الوزيرضمنيا بان يتجنب تحميل المسؤوليات و استعراض الحلول تحت ضوء الات التصوير.

لكن يمكن لنا – في هذا السياق - ان نتساءل هل كان السيد الوزير مضطرا الى الرد في كل مرة عن التعاليق المختلفة طالما كان واثقا من اهمية الزيارة ونجاعتها ؟ .

وهل كان من المناسب ان يؤكد "أن زيارته الميدانية إلى سجن الرابطة لا تصب في خانة الدعاية السياسية كما يروج لذلك البعض، و أنه لا يمارس السياسة و لا ينتمي لأي طرف حزبي وأن هدفه إصلاح أوضاع السجون"(في حوار لصحيفة التونسية بتاريخ 27-8-2015) ؟

 وبعيدا عن كل اتهام هل يمكن القول ان الزيارة  - سواء كانت فجئية او منظمة - قد حققت اهدافها المرجوة ؟

 يظهران الاهداف نفسها  لم تكن في مستوى ما يرجى من تطوير المنظومة السجنية وان تشخيص الوضع الصعب للمؤسسات السجنية يبدو هدفا بعيد المنال .

ربما يكون من الضروري الوقوف على الاخلالات المرتبطة بخدمات النظافة و الصحة لكن واقع السجون يبقى اكثر تعقيدا.

وبالمناسبة لا شك ان السيد الوزيريعلم اكثر من غيره ان ذلك السجن – كغيره من السجون – يخضع لرقابة قاضي تنفيذ العقوبات الذي  يتولّى  طبق القانون مراقبة ظروف تنفيذ العقوبات السالبة للحرية المقضّاة بالمؤسسات السجنية(الفصل 342 مكرر من مجلة الاجراءات الجزائية ). وان قاضي تنفيذ العقوبات يزور السجن مرة في الشهرين على الأقل للإطلاع على أوضاع المساجين(الفصل 342ثالثا من نفس المجلة )وان لقاضي تنفيذ العقوبات أن يطلب من إدارة السجن القيام ببعض الأعمال التي تقتضيها الرعاية الاجتماعية للسجين(نفس الفصل السابق).

كما يحرر القاضي تقارير يحيلها على وزير العدل تتضمن ملاحظاته واستنتاجاته ومقترحاته (الفصل 343 من نفس المجلة).

فهل تفطن الوزير الى وجود القاضي ؟وهل قرا قبل ان يخرج الى زيارة السجن التقاريرالتي وجهها اليه قاضي تنفيذ العقوبات بسجن الرابطة  ؟

وهل تامل السيد الوزير في النتائج التفصيلية للزيارات الدورية التي قام بها القاضي في المدة الاخيرة ؟وهل توقف عند ملاحظاته و استنتاجاته ومقترحاته العامة و الخاصة ؟

وهل نسي ان يراجع القاضي قبل ان يبدا زيارته الفجئية ؟

ربما كان من المحتمل ان يعثر بتلك التقارير – بل من الاكيد ان يعثر – على تشخيص حقيقي للاخلالات التي تتجاوز حدود المطبخ لتطرح اشكالات اضافية اكثر فداحة  ؟

ارجوان لا يكون السيد الوزير قد سها فعلاعن قراءة تلك التقارير او اخطا مساعدوه في احالتها عليه والا سيكون مضطرا لزيارات اخرى لا تخص فقط اعداد الوجبات في مطبخ السجن؟